شهدت جائزة كندا الكبرى 1973 إستخدام للمرة الأولى سيارة الأمان الّتي سببت الكثير من الفوضى والإرتباك مع عدم معرفة هوية الفائز!
وفي التفاصيل نذكر أن سباق كندا أقيم على حلبة “موسبورت” بعدما تأخرت الإنطلاقة بسبب الضباب، وقد إنطلق في ظروف رطبة. حينها تقدم صاحب الصدارة روني بيترسون للمركز الأوّل ولكن سرعان من إنزلقت سيارته، ما ترك نيكي لاودا بمفرده في الصدارة مع فارق مريح لتحقيق الإنتصار لـ “بي آر أم”، ولكن بعدما بدأت الحلبة تجف إضطر السائقون للتوقف من أجل تبديل إطارات سياراتهم.
الجميع قرر التوقف مرة واحدة وهيمنت الشكوك والإرتباك حول الترتيب بعدما تبدلت هوية المتصدر مرات عدة، خصوصًا أن بعض السائقين توقفوا مرات عدة، ومن ثم في اللفة الـ 33 إصطدم جودي شيكتر وفرانسوا سيفير ببعضهما البعض ما أدى إلى دخول سيارة الأمان للمرة الأولى في تاريخ الفورمولا واحد، مع العلم أن توقيت دخول سيارة الأمان الـ “بورشه 914” حصل بعد لفتين من الحادث. في ذلك العام وبسبب العديد من الحوادث أبصرت فكرة سيارة الأمان النور في الفورمولا واحد، ولكن التجربة الأولية ساءت جدًا لدرجة أننا لم نرَ مجددًا سيارة الأمان إلّا بعد 20 عامًا من سباق كندا.
وكما كان متوقعًا خرجت سيارة الأمان لتتقدم المتصدر ، ولكن بسبب الإرتباك الذي ساد عند دخول السيارات إلى مقرات الصيانة لم تكن هوية المتصدر معروفة، لأن تلك الحقبة لم تكن تعرف إستخدام نظام التوقيت الإلكتروني، فإختلفت الآراء حول المتصدر: البعض إعتبر أن جاكي أوليفر (شادوو) هو في المركز الأوّل، أما آخرون فأكدوا أن “بي آر أم” جان ـ بيار بلتواز (الذي لم يكن قد توقف نهائيًا) هي في الصدارة.
ومع إختلاف الآراء والعديد من الشكوك قررت سيارة الأمان أن تتقدم سيارة فرانك ويليامس “إيسو ـ مارلبورو” هوودن غانلي، وعلى الرغم من أنه لم يكن المتصدر إلّا أن الرسميين تمسكوا بقرارهم، ما منح الثلاثي أوليفر وبلتواز وسيارة “ماكلارين” بيتر ريفسون فرصة الفوز بلفة مجانية على حساب باقي السيارات. وللمزيد من الإرتباك بقيت السيارات تدخل إلى مقرات الصيانة خلال تواجد سيارة الامان على الحلبة، ما أضاف المزيد من الضياع.
في تلك الأثناء علق إيمرسون فيتيبالدي الذي كان ينافس على الصدارة قبل دخول سيارة الأمان، في المراكز الأخيرة، وتأخر بفارق لفة عن أوليفر الذي إعترف الجميع أنه المتصدر بإستثناء سيارة الأمان. وبعد 5 لفات خرجت سيارة الأمان من الحلبة وبدأ فيتيبالدي باللحاق بسيارة الـ “شادوو” مع فارق لفة كاملة للتعويض.
وبعد لفات عدة تعرض أوليفر لمشكلة ميكانيكية ما سمح لبلتواز بتجاوزه، في وقت تابع فيتيبالدي صعوده مسجلاً أسرع توقيت في لفة واحدة. وقبل لفتين من النهاية تجاوز أوليفر منافسه بلتواز مجددًا للصدارة، لكن فيتيبالدي نجح في تجاوز الثنائي ليحرز الفوز. وفور تجاوز لخط النهاية في اللفة الـ 80 الأخيرة قام كولن تشابمن رئيس فريق “لوتس” برمي قبعته في الهواء كتقليد إعتيادي للإحتفال بالفوز، ولكن المشكلة أن الجماهير لم تشاهد العلم المرقط الذي يُعلن نهاية السباق. وبعد حوالي دقيقة إجتاز بيتر ريفسون خط النهاية وشاهد الجميع العلم المرقط ونال المركز الأوّل أمام فيتيبالدي وأوليفر وبلتواز رابعًا. أما جاكي ستيوارت وهوودن غانلي فوصلا في المركزين الخامس والسادس تواليًا بفارق لفة.
وبعدما إعتقد الجميع أن فيتيبالدي هو الفائز ظل عنصر الإرتباك سائدًا بعد نهاية السباق، مع تساءل الجميع: ما الذي يحصل؟ حتّى ريفسون و”ماكلارين” لم يعتقدا أنهما فازا! إذًا ما الذي حصل فعلاً؟
ما حصل أن لا احد إعتقد أن ريفسون سيفوز لأنه كان متأخرًا بفارق لفة، ولكن بسبب كل عمليات التوقف في مقرات الصيانة لم يكن بلباس الفائز في تلك الاثناء عند خروج سيارة الأمان من الحلبة، ما يعني أنه عندما خرجت سيارة الأمان لم يكن أوليفر وبلتواز فقط هما من يتنافسان على الصدارة، بل كان ريفسون أيضًا في هذا النادي المغلق. وعندما واجه أوليفر مشكلة ميكانيكية وتجاوزه بلتواز، تمكن ريفسون من تجازوهما معًا وتصدر السباق ولم يكن يتأخر بفارق لفة كما إعتقد كُثر.
ولأن لا أحد صدّق ما حصل إجتمع رؤساء الفرق مع الرسميين من أجل إعادة تصور القصة ومجريات السباق بفضل المعلومات التي لديهم وتسجيل اللفات الفردية، وبعد 3 ساعات من المحادثات إتفقوا على أن ريفسون تصدر السباق في اللفة الـ 46 و”ركض” خلف الفوز، وقد تم إعلان النتيجة رسميًا ليحقق إنتصاره الثاني والأخير في مسيرته.
ولكن للأسف لم تكن هذه النتيجة هي النهائية ولم يكن بالإمكان أن تكون طرق تسجيل الأوقات دقيقة وبسبب الحلبة الرطبة كان من الصعب تمييز السيارات، إضافة إلى الشكوك الّتي حامت حول سيارة الأمان وعدد توقف السيارات في المنصات حيث وصل العدد إلى 54 مرة!
عديدون (ومن بينهم فيتيبالدي نفسه) إعتقدوا أن السائق البرازيلي فيتيبالدي هو صاحب المركز الأوّل، أما فريق “شادوو” فإعتقد أن سائقه أوليفر هو الفائز وتقدم بشكوى، ولكن بعد التدقيق بالنتائج تم سحب الإعتراض. حتّى أن البعض شعروا أن بلتواز هو من إجتاز خط النهاية في الصدارة، أما هوودن غانلي الذي إعتقدت سيارة الامان أنه المتصدر ، فقد تم الإعلان عنه أنه الفائز وفق نظام الـ “بي آيه” للحلبة على الرغم من أنه كان في المركز السادس متأخرًا بفارق لفة. حتّى أوقات اللفات لفريقه وضعته في مركز الفائز، بينما غانلي نفسه إعتقد أنه في المركز الثالث.
وهل ما زلتم تعتقدون أن سيارة الأمان تعقّد الأمور في أيامنا الحالية؟
الخبير